وشهد شاهد من آل المهدى …..( أن الأمام ذهب أبعد من التناسي ووقع في براثن تعظيم الذات والأنا التي لم يستطع الفكاك منها الي الآن حينما وجد صعوبة أمام المذيعة التلفزيونية في استذكار إسم عمه بشرى السيد حامد الذي صعدَ على أكتافه لتحقيق حلمه في رئاسة الوزارة وحزب الأمة. )
الى مقال الدكتور حامد بشرى :
(( لم أكن أنوي الرجوع الي هذه المقالة التي يرجع تاريخها الي مايو 2013 الا أن ملابسات الأحداث الجارية ومحاولات حزب الأمة المستميته لشق وحدة المعارضة حدا ببعض النشطاء الرجوع الي هذا المقال لتبرير حجتهم بتراجع وتنصل رئيس الحزب من الأتفاقيات التي يبرمها مع القوي السياسية الاخري التي أسقطت النظام البائد وعدم وضوح آرائه وفكره الذي يسبب ربكة في المشهد السياسي العام بل السعي والعمل بأدراك أو بغيره الي أجهاض الفترة الأنتقالية والأمثلة علي ذلك كثيرة آخرها طلبه بتجميد عضوية الحزب في قحت علي الرغم من عضويته في نداء السودان أضافة الي الزيارات المتكررة له من فلول النظام البائد أمثال أحمد عبدالرحمن محمد وعثمان خالد مضوي وسفراء نظام التمكين ، أما ثالثة الأثافي تتمثل في اللقاء السري الذي جري مع رئيس مجلس السيادة الفريق عبدالفتاح البرهان . كل هذه الخطوات ترمي الي أضعاف وأبتزاز رأس الرمح في ثورة ديسمبر قوي الحرية والتغيير في حين أن المطلوب من كل الحادبين لمصلحة الوطن في هذا المنعظف التاريخي الخطير الذي تمر به البلاد وحدة الصف وليس الخروج عنها .
الصادق المهدي ومحاولات تزوير التاريخ
د. حامد بشري/ أوتاوا
تقديم :
” رأي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب “
الأمام الشافعي
يُعرف عن السيد الصادق المهدي إنه خطيب مُفوَّه حباه الله بفصاحة اللسان ووضوح البيان، كما أنه يُعدُّ من أكثر السياسيين السودانيين حظياً بحضور واسع عند مخاطبة الجماهير بلا منازع. فضلاً عن ذلك، فإن من بين ما يميزه إنه يدقق في أختيار العبارة ويشدَّ المستمع إلى حديثه خاصة ًحينما يستخدم اللهجة العامية السودانية، ويستعين بالأمثال الشعبية، ويغوص في بعض الأحيان في بحور اللغة، ويستولد ويستنبط منها جديد التعابير والكلمات حتي أنه لُقب بـ “أبوكلام” في فترة الديمقراطية الثانية. ولما كان الصادق يُحظي بكل هذه الميزات، علاوة على كاريزما القيادة السياسية التي أضاف إليها لقب “الإمامة” مؤخراً ، عليه يجدر بنا أن نتحقق فيما يرويه خاصة إذا أورد ذلك في إطار المسلمات والحقائق التاريخية التي لا يأتيها الباطل من خلفها ولا من بين يديها.
لقد تسنت لي مشاهدة اللقاء التلفزيوني “ساعة حرة” (3) علي اليوتيوب You Tube الذي جرى بين مقدمة البرنامج الأستاذة عفراء فتح الرحمن والسيد الصادق المهدي (أنظر الرابط http://youtu.be/cSYGrzWxAWE والذي تمَّ بثه في فبراير 2013 ومن ضمن ما ذكر ورد الرأى التالي حول الخلاف الذي تمّ بينه وبين السيد محمد أحمد محجوب في العام 1966:
سؤال من مقدمة البرنامج: المحجوب يقول تمَّ إفراغ مقعد برلماني لك (الضمير راجع الي السيد الصادق) وفي “النت” تمَّ إفراغ مقعد لك في منطقة كوستي علي وجه التحديد؟
الصادق: ياست دي ماليها دخل بكده. أنا كنت زول مُعترف لي بأني كنت قائم بعمل سياسي (كبير جداً) . وأتُفق علي أنو أنا والسيد أحمد المهدي في ذلك الوقت كنا دون الثلاثين لما جرت الانتخابات، وكان في فكره من الناس أنو أنا والسيد أحمد ندخل في البرلمان، فكيف يكون ذلك والانتخابات ستُجري ونحن دون الثلاثين؟!
الحصل بالضبط (والحديث ما يزال للصادق) هو أنه اتُفق من قيادة حزب الأمة إنه الإتنين ديل لازم يدخلوا البرلمان. في إتنين من أهلنا مُخلصين ومهتمين قالوا نحنا بندخل في هذه الانتخابات ولما تبلغوا (يقصد السن القانونية للترشيح للبرلمان) بنخلي ليكم المقاعد دي. كانوا هم خالي السيد أحمد عبدالله جاد الله، وأيضاً عمي إبن السيد حامد. قالوا نحنا مستعدين ندخل في هذه الانتخابات وعندما يلزم نخلوا لكم هذه المقاعد. والحصل فعلاً هذا الإجراء، كانت دائرة الجبلين ودائرة الجزيرة أبا، وديل مشوا في الخط ده تطوعاً منهم وعملوا هذه الخدمة.
عفراء : أشكرك علي هذه الحقيقة التاريخية ولقولها بهذا الوضوح. إنتهى حديث السيد الصادق.
أما حديثنا نحن فنقول، صحيح أن والدنا المرحوم بشرى السيد حامد بن السيد حامد من المهتمين والمخلصين لعقيدته الأنصارية ولحزب الأمة، ولكن لم يتم أي اتفاق معه قبل الانتخابات علي إخلاء مقعده للسيد الصادق أو لغيره كما زعم، بحكم إنني كنت شاهد عيان علي ما تمَّ. وليسمح لي السيد الصادق أن أسرد له ولمن يشاركه الرأي تفاصيل حول ما يسمي بحادثة التنازل هذه، لعلّ ذلك من جهة يساعد المؤرخين الذين يسلكون طرقاً وعرة في الوصول إلى الحقائق. ومن جهةٍ ثانية ربما وضع حداً لتضارب الروايات، بما فيها تلك التي تصدر من السيد الصادق أو عن طريق مكتبه!
لنبدأ بتعريف الشخصية التي قال عنها إنها تنازلت له عن مقعد برلماني. الذي حدث أنه بعد ثورة أكتوبر وما تلاها من اتفاقٍ علي إجراء انتخاباتٍ برلمانية، حضر للوالد (بشرى السيد حامد) أعيانٌ ومشايخٌ من “دار سليم” و”الصبحة” و”نزي” و”دار محارب” وألحوا عليه بشدةٍ أن يترشح نيابة عنهم في الانتخابات القادمة. قبل الوالد هذا الطلب إلا أنه خاض معركة شرسة داخل حزب الأمة حتي يجد تزكية من الحزب تعطي الناخبين الحق في اختيار من يمثلهم. وفي اجتماع مع إبن عمه وصديقه السيد الهادي المهدي، أسرَّ إليه فيه بعدم موافقة الأجهزة الحزبية علي ترشيحه، بل تفضيل أشخاص آخرين من العاصمة نيابة عن أبناء الهامش، لكي يقوموا بتمثيلهم في تلك الدائرة الجغرافية. لم يجد الوالد أمام تلك المستجدات سبيلاً سوى تحدي الحزب ومؤسساته مخاطباً السيد الإمام بقوله: (أتحداكم جميعاً أولاد السيد عبدالرحمن أترشحوا في الدائرة في كفة واحدة، وأنا بشرى السيد حامد في الكفة الثانية والحشاش يملأ شبكتو). بالإضافة إلى ذلك، زاد على هذا التحدي بتأكيد معرفته الشخصية بأفراد وبيوتات هذه القبائل، والتي تقطن منطقة جنوب كوستي وتمتد من ربك إلى الرنك فخاطبه قائلاً: “يا السيد الهادي أنا بشرى السيد حامد، أستطيع أن أنادي راعي الضأن في الخلاء بإسمه، من منكم يا أبناء السيد عبدالرحمن يعرف هؤلاء القوم بمقدار معرفتي بهم؟”.
في حقيقة الأمر، كان يعرفهم بأسمائهم وأسماء آبائهم ومشايخهم ونظارهم بل كان يتواجد في أفراحهم وأتراحمهم، صاهرهم وصاهروه. وقد جعله هذا التداخل والتمازج معهم، بعيداً عن العاصمة وجاهها ومالها ومناوراتها وأساليبها وألاعيبها. تحت هذه الحيثيات تمت الموافقة على مضضٍ بترشيحه بإسم حزب الأمة. وعلى عكس ما هو متعارف عليه وجرى به العرف والنُظم، لم يقدم له الحزب أي عونٍ لدعم حملته الانتخابية، خاصة وأنه كان من مرشحي الهامش الذين لم يحصلوا علي رضى السادة والسرايا. أضف الي ذلك أن التأمين الذي كان يُدفع كرسوم للجنة الانتخابات ويعتبر أحدي شروط الترشيح وهو عبارة عن 100 جنيهاً لم يكن متوفراً للوالد بل تبرع به أصدقاؤه. شارك مع الوالد في الحملة الانتخابية، علي ما أذكر، عمنا السيد عبدالملك السيد عبدالله حامد مؤسس مدارس دار السلام بمدينة ربك أطال الله في عمره ومد في أيامه، أما المشاركون الآخرون وجلهم رحل إلى الدار الآخرة، فهم العم الشريف بشرى عثمان والد الشاعر النابه عثمان بشرى، ولعل السيد الصادق استمع إلى قراءاته الشعرية حينما كان بالقاهرة، ووالده إبن خال الوالد وزوج ابنته عائشة، بالإضافة إلى الخال عبدالرحمن النيل، وخالد محمد إبراهيم، وإبن عمنا حامد صديق الذي التحق بالرفيق الأعلي مؤخراً، وآخرين أعتذر لهم إن لم تسعفنِ الذاكرة بذكر أسمائهم. ومن المآثر التي يجب أن تُدَّرس في مقررات حقوق الإنسان السياسية ومنظمات المجتمع المدني، أن عمنا عبدالملك إشترط لمشاركته في الحملة الإنتخابية أن لا يدعو أي من الناخبين للتصويت لإبن عمه، باعتبار أن ذلك يمثل تحيّزاً لناخبٍ بعينه، مما يتعارض مع مهمته التي تتلخص في شرح الطريقة الصحيحة للناخب لكي يدلي بصوته ويضع العلامة في الموقع الصحيح للمرشح الذي يريد التصويت له حتي لا يفقد صوته. هذه هي الحيادية التي رأيتها بأم عيني مِنْ مَنْ كانوا يقفون خلف الوالد في الحملة الانتخابية في سودان 65 أي قبل ما يقارب الخمسين عاماً في دائرة جغرافية تمتد من ربك حتي الرنك، وتقطنها قبائل رُحل وبها نسبة عالية من الأمية في ذلك الوقت، ويشهد الله أنه لم تُمارس في هذه الحملة الانتخابية أي نوع من التدليس أو الرشاء أو التزوير. كانت عبارة عن عهدٍ بين المرشح والناخبين، يتم في خِتامه قراءة الفاتحة، وتعقبها المقولة العبقرية السائدة آنذاك (الخائن الله يخونه)!
هؤلاء القوم يا سيد صادق مسلمون بالفطرة، و يذكرني هذا برواية يحكيها الوالد عن مواطني هذه الدائرة ولعلك قد سمعتها منه مراراً وتكراراً. يُحكى أن والدكم السيد الصديق طلب من المهندس محمد عبدالكريم الذي أشرف علي إنشاء طلمبات دائرة المهدي بالنيل الأبيض، أن يطوف على مواطني هذه الدائرة قبل الانتخابات الأولي في عام 1958 ويتحسس آراءهم، ولمن سيدلون بأصواتهم، لحزب الأمة أم للحزب الوطني الاتحادي؟ وعند عودته وفي لقاء مع الإمام الصديق، وعندما واجهه بالسؤال كان رده إن هؤلاء القوم أنصار إلا أن رسالة “محمد” لم تصلهم بعد. هذه رسالة يُفهم منها أن الدستور الإسلامي والقوانين الإسلامية المستمدة من الشريعة الإسلامية، والتي تلكأ حولها السيد الصادق كثيراً وتردد في إزالتها، ويحاول حالياً أن يضعها كعقبة كؤود أمام قوى المعارضة، إضافة إلى أوهام الصحوة الإسلامية التي يدعو لها، كل ذلك يختلف كثيراً عن إرث الأنصارية الذي دعا له الإمام عبدالرحمن واقتفى أثره السيد الصديق! المضحك المبكي يا سيد بدلاً من أن تجتهد في توظيف أمكانياتك لتطوير هذا السلف فضلت أن تتبع فكر أخوان الشيطان وتتبني سياستهم وأصبحت لهم داعية بالوكالة في أحسن الأحوال وصرت أقرب اليهم من حبل الوريد في ذات الوقت الذي تبرأ منهم شيخهم ، عرابّ النظام واصبح يتخذ مواقف أكثر صلابة ووضوحاً وشجاعة منك حتي فيما يختص بالمسخ الذي أبتدعه وسماه قوانين سبتمبر أو ما يُطلق عليه زوراً وبهتاناً بالشريعة الأسلامية. هذه هي الملهاة ، أما الجانب الآخر الأكثر مأسوية فيتمثل في رغبتك بالمساومة في مصير هذا الأرث العظيم أرث الأمام المهدي لكي يكون تابعاً وليس متبوعاً وليته كان تابعاً لجهة تخاف الله وتخشي يوم الحساب وأنما بفضلك أصبح تابعاً للمؤتمر الوطني مع أنك لا تملك حتي الحق الأدبي في هذا .
إنتهت الانتخابات بفوز الوالد (بشرى السيد حامد) وقد حصل على 10203 صوتاً من مجموع المسجلين البالغ عددهم 12702 في الدائرة 62 كوستي الجنوبية، كما جاء في كتاب الانتخابات البرلمانية في السودان لأحمد إبراهيم أبوشوك والفاتح عبدالله عبدالسلام، إذ كان ترتيبه الثالث على مستوي القطر من حيث عدد الأصوات التي نالها، وهذا يقف شاهداً علي ثقته في تحديه ومتانة صلته بناخبيه. وفي ظهيرة يوم من عام 1966 طرق باب المنزل الأعمام الأعزاء طيب الله ثراهم: السيد محمد الحلو موسى الذي شغل فيما بعد منصب وزير شئون الرئاسة، والسيد عبدالرحمن النور الذي تبوأ وزارة العدل وطلبا مقابلة الوالد. استظل ثلاثتهم بشجرة الليمون بذلك المنزل العتيد، في الوقت الذي كنت أشرف على إحضار ما جادت به يد الوالدة. ابتدر الحديث العم عبدالرحمن النور بقوله إن إبنك السيد الصادق المهدي قد بلغ عامه الثلاثين وهذه هي السن القانونية التي تجعله مؤهلاً لدخول البرلمان، ونحن حضرنا إليك لنطلب موافقتك على إخلاء المقعد البرلماني الذي تشغره الآن!
قد يعجز العاقل عن استيعاب مثل هذا الطلب الذي يعبر عن سابقةٍ برلمانية تفتقت عنها ذهنية ما سمَّاه الصادق بقيادة حزب الأمة، في قوله إنه (اتّفق من قيادة حزب الأمة) والضمير مبني للمجهول، إذ لم يفصح عن القيادة التي اتفقت أو مع مَن اتفقت؟ والأنكي من ذلك أن هذا (الاتفاق)، ويُقرأ (الطلب) وجد الدعم والمساندة من سيادته حينما كان يشن حرباً على عمه بدعوى الطائفية، ومحاولة إدخال مفهوم الحداثة الذي فشل فيه لانه يتطلب معطيات لم تتوفر عند الأمام حتى هذه اللحظة. كان الطلب يعبر عن سابقة أعتقد أنها فتحت شهيته لسوابق برلمانية لاحقة في خرقه للدستور. ومما يدعو للإستغراب أن شخصاً بهذه المكانة السامية سوَّلت وزيَّنت له نفسه أن يطلب التنازل من شخصٍ آخر يتمتع بكافة حقوقه المدنية والدستورية، إضافة إلى أنه خاض الانتخابات بحُر ماله وأحرز هذه الأغلبية. لم يجد الطالب في هذا حرجاً أخلاقياً تجاه ذلك المسلك الذي تقاضي عن شعور النائب المُنتخب ورغبة الناخبين في اختيارهم لشخص بعينه. هذه هي النزوة والشهوة في الحكم التي دفعت صاحبها لإزدراء حقوق الآخرين. أما ثالثة الأثافي فأنه لم يكن هنالك أصلاً اتفاقٌ مُسبق كما ذكر الأمام في روايته!!
طلب الوالد مهلة لكي يتشاور مع أبنائه وأهل بيته. وهنا حانت لي الفرصة في هذا الظرف لكي أدلو بدلوي وبحكم أنني لازمت الوالد في الحملة الإنتخابية، وكنت قريباً منه في مطالب أهل الإقليم، تمت صياغة المقترحات التالية كي تكون من استحقاقات التنازل عندما يتم:
• في حالة انتخاب النائب القادم (وفي هذه الحالة هو الصادق المهدي) عليه أن يُلبي الوعود التي التزم بها عمه أمام مواطني الدائرة وتتلخص في: تأمين مراعيهم والتصديق لهم بحيازة أسلحة خفيفة لهذا الغرض، إلى جانب حفر آبار أرتوازية والشروع في بناء مستشفي بالجبلين، بحسبما أذكر.
أما علي المستوي الشخصي فكان على النحو التالي:
• على حزب الأمة الإستمرار في دفع راتب الجمعية التأسيسية وهو عبارة عن 100 جنيه لتسديد الإلتزامات الشهرية التي فرضت نفسها على الوالد بعد أن أصبح نائباً في البرلمان، ومن بينها أقساط العربة التي تم شراؤها من السيد عبدالمتعال صاحب شركة السهم الذهبي ووكيل شركة التايوتا في ذاك الوقت .
• التصديق للوالد بحيازة قطعة أرض بأمدرمان لكي يُشيد عليها منزلاً حيث لا يملك أرضاً ولا منزلاً في تلك المدينة .
تمت الموافقة علي طلباته بدون أي تردد من قبل الأعضاء المكلفين بذلك، وهم مولانا عبدالرحمن النور والسيد محمد الحلو موسى .
كان ذلك هو الإتفاق الذي لم يُنفذ من قِبل أجهزة الحزب بعد أن تمَّ التنازل، وبالرغم من ذلك تمّ إخلاء الدائرة 62 كوستي الجنوبية لكي يترشح فيها السيد الصادق المهدي، ويصبح بعدئذٍ عضواً في الجمعية التأسيسية، حيث أدى اليمين الدستورية في 23 يونيو1966. هذه هي التفاصيل التي أهملها الصادق ، رغم اهتمامه المفرط بتاريخه وتاريخ هذه العائلة حينما سرد الوقائع التاريخية لوسائل الإعلام المرئية والمسموعة. وإن كان الإمام لا يعلم بهذه التفاصيل فتلك مصيبة، أما وإن كان يعلم ولم يسرد كل الحقائق وملابسات (التنازل) فالمصيبة والأثم أفدح . إنني أُرجح أن تفاصيل هذا الاتفاق الذي تمّ إبرامه بين الوالد وحزب الأمة برئاسة الصادق المهدي، لم تكن غائبة عن الإمام خاصة وأن بها بنود لإلتزامات مالية تأتي مباشرة من خزينة الحزب، وقد يكون في تناسيها وعدم ذكرها مسوغاً يدخل في إطار (فقة الضرورة) أو عدم وجود ضحايا التنازل على قيد الحياة. ما يُحير حقيقةً أن الأمام ذهب أبعد من التناسي ووقع في براثن تعظيم الذات والأنا التي لم يستطع الفكاك منها الي الآن حينما وجد صعوبة أمام المذيعة التلفزيونية في استذكار إسم عمه بشرى السيد حامد الذي صعدَ على أكتافه لتحقيق حلمه في رئاسة الوزارة وحزب الأمة. (للتأكد من الصعوبة التي واجهها الصادق في استذكار إسم عمه يمكن الرجوع الي الفيديو على الرابط المرفق، وملاحظة إجابته للمذيعة عفراء فتح الرحمن، في الدقيقة الثامنة عشر والثانية الخامسة والثلاثين) نجد أن الإمام الخطيب المفوَّه تلعثم وصمت طويلاً حينما حاول أن يتذكر إسم عمه الذي تنازل له تطوعاً كما ادّعي بُناءً علي اتفاق مُسبق، وحينما عجز عن ذكر الإسم أسعفته بقايا الذاكرة بالرجوع إلى صلة الرحم حينما قال “عمي إبن السيد حامد”!!
حقيقة الأمر إن نسب الوالد الي الإمام محمد أحمد المهدي يرجع إلى جده السيد حامد، وهو شقيق المهدي الذي استشهد في واقعة قدير الثانية عام 1882 أما أخويه الآخرين، محمد وعبدالله فقد استشهدا في حصار الأبيض عام 1883 (راجع إستقلال السودان بين الواقعية والرومانسية للدكتور موسى عبدالله حامد) مع كل ذلك نحمد للسيد الصادق ولهذه المقابلة إزالتها لبساً وتضارباً في الآراء حول الشخص الذي تنازل له وقطع الشك باليقين، والذي ورد في مكاتبات سابقة بعث بها بشرى النور، وعلى ما أظن كان مديراً أو مساعداً للمدير في ذلك العهد برسالة نقتطف منها التالي: “مع إحترامي لرسالة الأخ حامد بشرى حامد، هنالك معلومة يتوجب تصحيحها، وهي أن الذي تنازل للسيد الصادق المهدي هو خاله السيد أحمد عبدالله جاد الله في كوستي الدائرة 61 بشرى النور …. أمدرمان”.
للقارئ الحق في طرح استفسارٍ فحواه لماذا لم أخاطب السيد الصادق وأصحح حديثه برسالة شخصية له. وللرد علي هذا أود أن أوضح أنه لم أكن ننوي أصلاً الخوض في تفاصيل هذا الاتفاق بحكم أنه تمَّ في إطار عائلي، أما أن يأتي شخص في قامة الصادق ويغفل ذكره بل ويُحوّر الحقائق ويلوي عنق التاريخ ويصرح بأن هذا الاتفاق تم قبل الانتخابات، فإن ذلك ما حدا بنا توضيحه للرأي العام، وكذلك إنصافاً للتاريخ والذين شيّعهم الموت أو من هم على قيد الحياة. إضافة إلى أننا رأينا من حيث المصلحة العامة أن نُذكرّ الإمام بأسماء الأشخاص الذين لعبوا دوراً متواضعاً في وصوله إلى هذه المكانة السامية، خاصة وأنه في الفترة الأخيرة لاحظ كل الذين تربطهم به علاقة حميمة، وشاركوه ضروب النضال أنه أصبح حينما يلتقي بهم في المناسبات المختلفة ينسي أو يتجاهل مخاطبتهم بأسمائهم ويناديهم بـ”أزيك يا أخينا” . هذه التحية توضح أستهتاراً وتحقيراً لهؤلاء الأشخاص وتعكس شعوراً غير مُستتر بالمكانة العليا التي يضع الصادق فيها نفسه مقارنة بالآخرين خاصة أذا وضعنا في الأعتبار أن هؤلاء النفر جُلهم فاقت أعمارهم الستين عاماً وبعضهم رزق بذرية من الأحفاد علاوة على ورود ذكر كلمة (الإسم) في القرآن الكريم في أكثر من موقع (قَالَ يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنبَأَهُم بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ) البقرة ﴿٣٣﴾. عزيزي القارئ لك أن تتصور لبعض الوقت كيف يكون شعور الإمام إذا تجرأ شخصٌ وحياه بـ “إزيك يا أخينا أو إزيك يا زول؟”
ثمة إضافة أخيرة، فقد ورد في حديث آخر للسيد الصادق في (ورشة تطوير الجزيرة أبا وريفها) في يوم السبت 6 أبريل 2013 ما يلي :
(كانت الجزيرة أبا مجرد مسكن لبعض قبائل الجنوب، ومجرد مرتع لبعض قبائل النيل الأبيض الرعوية، وعندما استقر فيها الشيخ محمد أحمد أسس فيها خلوته للقرآن، ثم وفدت إليها أسرته لما فيها من غابات تصلح لصناعة المراكب، هذا العمل الذي كان مورد رزقها، ولكن الشيخ محمد أحمد كان متعلقاً بمعاني القرآن، لا مجرد حفظه وتعليمه، وكان يكثر من التعبد في غارين أحدهما صيفي والآخر شتوي).
الحقيقة لم تتعود أذني علي سماع لفظ “الشيخ محمد أحمد”. سمعت مؤخرأ بلقب “شيخ حسن” و”شيخ علي” هل كل هؤلاء الشيوخ يتبعون طريقةً واحدة؟ وهل وصلنا الي مرحلة صار يتفضل بها الصادق علي جده بالشياخة والتي أصبحت علي كل شاكلة ولون علي أيامنا هذه، ويتدثر هو بالإمامة التي فُصلت له وحده كما يحلو لمحبيه أن ينادوه “بالحبيب الإمام الصادق المهدي”
يا أيها السادة وورثة المهدية وتراثها وتضحياتها وجاهها، إنكم جميعاً من دون هذا الإسم السحري Magic word “المهدي” لم تكونوا لتحققوا هذه الأمجاد وتنالوا النعم التي أنتم فيها تسبحون!
فتواضعوا يرحمكم الله!! ))
منقول من موقع : سودان للجميع