تنصيب مناوي.. أو، درس في الدرس
إبراهيم حمودة
قبل سنوات، وفي معهد العلوم الاجتماعية في لاهاي، شهدت حفل تنصيب صديقي الراحل الدكتور محمود الزين حامد لنيل درجة الدكتوراة، بعد أن قدم دفاعا قويا ومتماسكا عن أطروحته حول نهر النيل وتأثير المياه في صنع السياسات في السودان..
وبعد أن منح الدرجة العلمية الرفيعة، قال له أحد المشرفين على رسالته ممازحا: مرحبا في سلك الكهنوت يا دكتور محمود..
على المستوى الرمزي يمثل السلك الأكاديمي نوعا من سلطة الكهنوت غير أن الانصياع لما تقول المؤسسة هو انصياع لسلطة العلم القابلة للتجديد والنقد. وهي السلطة التي يستعيرها الأستاذ في الكلام، والتي تجعل ما يقول ه جديرا بالمتابعة والقبول والتناسل ضمن آليات الخطاب العلمي.
والآن، وعلى التوازي من المجال الأكاديمي ولكن في حقل سلطة آخر، وبصدد تنصيب مناوي حاكما لإقليم دارفور، يغيب عن هذا الطقس أي تقاليد معترف بها تجعل الشعب عامة، وشعب دارفور خاصة ينصاع ويسلم ويقبل بسلطة القادم الجديد، سوى تقاليد نظام الإنقاذ المقبور التي تجعل الموظف العام ينحر الذبائح حين يتولى منصبه. كما لا يوجد قانون ساري يعرف المنصب ويحدد صلاحياته وسلطاته من الأساس في حال الحديث عن حاكم إقليم بعينه.
تلجأ السلطات الزمنية للعديد من أدوات السلطة الرمزية لتأكيد نفوذها وهيبتها مثل العربة الرئاسية المصفحة الفارهة، كرسي العرش، التاج، الصولجان، بدلة الجنرال والنياشين.. الخ
في سبيل البحث عن رمز ما يؤكد سلطته وفرضها على رعاياه المساكين في معسكرات النزوح، يذكر ويفاخر مناوي بأن هنالك سبع طائرات ستتحرك من الخرطوم تقل مشاركين في حفل التنصيب، إضافة لطائرات أخرى قادمة من دولة تشاد..
كل ذلك لا يجعل من مناوي حاكما يملك الصلاحية والنفوذ لحل مشاكل دارفور التي هي جزء من مشكلة الحكم المستعصية في السودان بكامله..
كما أن الجهة التي يستمد منها نفوذه، سلك الكهنوت المتمثل في المجلس السيادي ومجلس الشركاء ومجلس الوزراء هو من الحداثة والجدة بحيث أنه لا يملك قوة حقيقية أو سلطة رمزية تساعده في لملمة قوى المجتمع المتنافرة وإيقاف الصدامات القبلية التي بدأت رقعتها في الاتساع، ناهيك عن تفويض هذه القوة لقادم جديد تعجز كل المواضعات عن دعم موقعه.